+
----
-
الحروب الأميركية القادمة
ويليام بلوم
يعتبر الكاتب الأميركي ويليم بلوم ،من اشهر المحللين السياسيين الذين يتحلون بالجرأة لفضح كل ما تقوم به الإدارات الأميركية وما قامت به في الماضي من سياسة خارجية وحشية ضد شعوب العالم. وبسبب مواقفه هذه تجاه السياسة الأميركي والتهديدات. ورغم ذلك لا يزال يواصل فضح سياسة الإدارات الأميركية وجمع الوثائق والمعلومات. عن ممارساتها التي تخرق جميع الأعراف الدولية وقوانين المجتمع الدولي وحقوق الإنسان. وهو صاحب أشهر كتاب ظهر حتى الآن حول ما نفذته الآلة العسكرية ووكالة المخابرات المركزية (سي آي آي)من أعمال وحشية في العالم ،وهو بعنوان :"قتل الأمل :التدخلات العسكرية والمخابراتية الأميركية منذ الحرب العالمية "وكتاب: دولة الشر: الدليل نحو القوة العظمى الوحيدة في العالم".
إلا أن الرئيس بوش الذي لا تعجبه هذه الآراء فضل قراءة كتاب يطرق هذا الموضوع في الاتجاه المعاكس. وهوكتاب اليوت كوهين المعنون " القيادة العليا - الجنود والزعامة في زمن الحرب.
في 28 تشرين أول/أكتوبر الفائت ألقى وليام بلوم دراسة خاصة أمام حشد من المحللين والكتاب الأميركي ؟"وجاء في تلك الدراسة ما يلي: المرة الأولى التي تحدثت فيها في أعقاب أحداث 11ايلول /سبتمبر أمام الجمهور كانت في جامعة كارولينا الشمالية، بعد تلك الندوة قامت منظمة أميركية أنشأتها لين تشيني (زوجة نائب الرئيس ديك تشيني) بوضع اسمي مع عدد آخر من المحاضرين في قائمة خاصة.ويمكن تحسس طبيعة هذه المنظمة من جدول عملها الذي أشار إليه تقرير بعنوان ،الدفاع عن حضارتنا :كيف تقوم الجامعات الأميركية بإضعاف أميركا وماذا ينبغي أن نفعل تجاهها؟"، وفي الموقع الإلكتروني الخاص بهذه المنظمة ظهرت مقالات كثيرة كتبها طلبة من الجامعات ووضع تعقيب عليها من قبل المنظمة يقول : إن هؤلاء لا يرحبون بأحدث ما تقوم به الولايات المتحدة من قصف كالجحيم ،.وعلى هذا النحو أصبح هؤلاء الكتاب مدانين لأنهم يقولون إن من حق بعض الأجانب كراهية الولايات المتحدة أو كراهية سياستها الخارجية بموجب التعبير الذي استخدمه.
هناك الكثير من اليسار الأميركي الآن ممن يرفض التنازل عن وطنيته لصالح اليمين المحافظ .وهذا اليسار يصر على انه يمثل الوطنيين الحقيقيين لأنه يطالب الولايات المتحدة أن تكون صادقة مع المبادئ التي اعترفت بها ؟ورغم أن هذه الوطنية جيدة، إلا أنني أتوسع في مفهومها إلى حد القول بأن هناك ما يتحدى هذا النوع من الوطنية .لقد كانت السنة الماضية صعبة بالنسبة لمن هو مثلي تحاضره ملهاة الوطنية الأميركية هذه .فنحن نصف الكثير من الأميركيين بالأبطال : رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك أصبح من هؤلاء الأبطال رغم أنه كان قبل يوم أحداث 11 أيلول 2001 من المتغطرسين الرجعيين القساة لكنه فجأة أصبح بعد هذا التاريخ بطلاً.حتى جورج بوش حولوه إلى بطل.والذي كانوا حتى العاشر من أيلول ينعتونه بـ"الأبله"أخذوا يصفونه بالبطل فتحول إلى ديكتاتور بعد 11 أيلول ؟! ورغم أنني لست موالياً لأي دولة أو حكومة ،با على غرار معظمكم موالياً لمبادئ محددة مثل العدالة الإنسانية والديموقراطية الاقتصادية وحقوق الإنسان،إلا أن ما أحمله لكم هو هذه العبارة:إذا أحسستم بقلبكم أو بعقلكم بشكل واضح أن قصف الولايات المتحدة للفلاحين الفقراء الجائعين الأبرياء تصرف مرعب مرفوض ولن يحمل للشعب الأميركي أي أمن، فعليكم الاعتراض عليه بأي طريقة ممكنة من دون أن تشعروا بأي قلق من تسميتكم غير وطنيين.لكن المؤسف أن ليس هناك إلا القليل من الاعتراض والاحتجاج ضد القصف الأميركي في أفغانستان ،وأنا أعتقد أن أحد أسباب هذا التقصي هو تخويف الناس وتوسيع السلطات البوليسية ضدهم.كما أعتقد أن السبب الأخير يعود إلى شعور قسم من الأميركيين بأن هذا القصف المرعب وما ينتج عنه يمكن أن يعتبرونه طريقة ستخلصهم من "الإرهابيين "المعادين للولايات المتحدة .لكن، هل يعلم هؤلاء أن من بين الآلاف الذين قتلهم القصف الأميركي في أفغانستان لا يوجد أحد ممن شارك في عملية 11أيلول ؟.وبموجب هذه الملاحظة كم يبلغ عدد من شارك من عمليات مسلحة ضد الولايات المتحدة ؟لا شك انه من الصعب تحديد العدد رغم انه من المؤكد أن هذا العدد سيكون بالعشرات وليس بالمئات .وإذا كان هناك "إرهابيون"بين القتلى والأفغان فإن الكثير منهم كان داخل السجن (ويذكرأن معظم من كان في معسكر التدريب الخاص بمنظمة القاعدة في أفغانستان كانت مهمته وسبب وجوده مساعدة طالبان في الحرب الأهلية من دون أن يكون له أي علاقة بالإرعاب أو بالولايات المتحدة .كانت مهمة هؤلاء دينية وهذا لا علاقة لنا به كأميركيين .لكننا مع ذلك قتلناهم أو أننا اعتقلناهم في داخل أصعب شروط الاعتقال في "غونتانامو "في كوبا ولمدة طويلة لا تظهر لها نهاية بعد رغم أن بعضهم حاول الانتحار .ومن الملاحظ بوضوح أن حكومتنا لا تزال ترغب بإسقاط كميات هائلة من القذائف المتطورة فوق رؤوس الأبرياء، وما كان ينبغي أن تستمر هذه السياسة. ففي نهاية الثمانينات انتهى الاتحاد السوفياتي وانهار جدار برلين، واحتفلت شعوب اوروبا الشرقية بهذا اليوم الجديد، وأجبرت حكومة جنوب أفريقيا العنصرية على إطلاق سراح نيلسون مانديلا وانهار النظام العنصري، وفي أميركا اللاتينية جرت انتخابات ديمقراطية في "هايتي"وكانت الأولى ،ونتج عنها انتخاب رئيس تقدمي وظهر في ذلك الوقت أن كل شيء يمكن الحصول عليه وتحقيقه وإيجابياً، وتغزز التفاؤل يشكل أصبح بمثل قدر التشاؤم الآن. حدث كل هذا، وعلى الرغم من ذلك كنت واشنطن تحتفل على طريقتها بقصف وغزو "بنما"وبعد أسابيع قليلة من إنهيار جدار برلين وفي نيكاراغوا كانت واشنطن تواصل التدخل في الانتخابات من أجل إسقاط الساندينيين .وبعد أن انتهى النظام الشيوعي من ألبانيا وبلغاريا ونجرأ الشعبان على اختيار حكومات لا تقبل بها الإدارة الأميركية قامت واشنطن بخلع تلك الحكومات.وفي عام 1991 بدأ القصف المكثف على العراق خلال 40 يوماً وبلا أدنى رحمة من دون وجود سبب عادل وهكذا تبخرت آمالنا بتوقع تحقيق عالم افضل مختلف عن السابق. فزعماؤنا لم يتوقفوا عن القصف فانطلقوا نحو الصومال من دون توقف عن القصف العراق لسنوات كثيرة ، وتدخلوا بكل طريقة توفرت الإنهاء الحركات اليسارية في البيرو والميكسيك والإكوادور وكلومبيا وكأن الحرب الباردة التي احتدمت في الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات ما زالت مستمرة.ثم توجهت واشنطن لقصف يوغسلافيا لمدة 78يوما بتواصل.وما زال القصف على أفغانستان مستمر.. فما الذي يجري إذن؟.
أكذوبة المؤامرة الشيوعية
لقد علمونا منذ الطفولة أن الحرب الباردة ومن ضمنها الحرب في كوريا وفيتنام والميزانيات الضخمة للجيش، وجميع الغزوات الأميركية،وقلب الحكومات، ما نعرف عنها وما لا نعرف، كانت تمثل كفاحاً ضد خطر وتهديدات المؤامرة الشيوعية الدولية التي تتخذ من موسكو مقراً،فما الذي حدث؟لقد انتهى الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، وتحولت دولة إلى رأسماليين . ومع ذلك لم يتغير أي شيء في السياسة الخارجية الأميركية، وبقي حلف الأطلسي الذي تأسس باسم حماية أوروبا الغربية من الغزو السوفياتي، بل أخذ قوته بالزيادة وتتسع مهمته لتشمل العالم كله.ورغم أن ميثاق الحلف لا يلزم دوله بإرسال قوات إلى أفغانستان للقتال مع القوات الأميركية فقد أرسل عدد قوات للمشاركة في الغزو إن هذه الوقائع تدل على أن اللعبة الأميركية كانت مزيفة، فالاتحاد السوفياتي أو الشيوعي لم تكن هدف أعمالنا الهجومية في أنحاء العالم ولم تكن هناك مؤامرة شيوعية دولية، بل إن العدو كان لا يزال بنظر واشنطن هو أي حكومة أو حركة أو فرد يقف في وجه التوسع الذي تطمح إليه الإمبراطورية الأميركية، بغض النظر عن الاسم الذي نخلعه على هذا العدو سواء أطلقنا عليه شيوعية أو "دولة الشر" أو مهرب "المخدرات " أو "إرهابي" ويخطئ كثيراً من يظن أن الإمبراطورية الأميركية تعمل ضد الإرهاب وإليكم هذا السؤال : فرداً ويحاول اغتيال عدد من الديبلوماسيين ويطلق قذائف مدفعية على سفن ترسو في الموانئ والأميركي بماذا تصفون هذا الرجل وهو الذي يضع القنابل المتفجرات في عدد من المباني التجارية والدبلوماسية داخل الولايات المتحدة وخارجها؟.
أميركا ملجأ الإرهابيين
وإذا كان بوش يكرر غالباً هجومه وانتقاداته تجاه دول يتهمها بإعطاء ملجأ "الإرهابيين" فكيف يجرؤ على ذلك وهل هناك دولة في العالم تمنح ملجأ للإرهابيين بالقدر نفسه الذي تمنحه الولايات المتحدة؟ فأورلاندو ليس سوى واحد من عشرات آلاف الإرهابيين الكوبيين المنشقين الذي يعيشون في ميامي بعد أن نفذوا المئات بل الآلاف من الأعمال الإرهابية ضد كوبا وداخل الولايات المتحدة نفسها ومن بينها الاغتيالات والتفجيرات .وهم يعيشون في ميامي وفلوريدا بأمان منذ عشرات السنين إلى جانب أصدقائهم الإرهابيين الآخرين الذين خرقوا حقوق الإنسان في غواتيمالا والسلفادور وهايتي وأندونيسيا، وكل مكان تحالفت فيه الإمبراطورية الأميركية مع الآخرين. فالـ"سي آي إي" التي تقوم إنها تبحث عن"الإرهابيين" في الكهوف والجبال في أفغانستان تشرب الأنخاب في الوقت نفسه مع الإرهابيين الذين تحميهم في حانات ميامي وفي ضوء كل هذه الوقائع كيف يمكننا فهم سياسة حكومتنا الأميركية؟ لو كان علي تأليف كتاب يحمل عنوان "الإمبراطورية الأميركية-كتاب للصم والبكم" لكتبت في الصفحة الأولى منه: كأيها القارئ لا تهتم مطلقاً بما يقال عن العامل الأخلاقي (في السياسة الأميركية ) فالسياسة الخارجية ليس فيها أي عامل أخلاقي في تكوينها الأساسي. ونظف عقلك من تلك المتكدسات التي تصادفها في العناوين العريضة ولوحاتها"و إذا أدرك أنه ليس من السهل على معظم الأميركيين إعطاء ما أقول شكلاً من الأهمية لأنه ليس من السهل هضم رسالتي هذه فهم يشاهدون قادة البلاد على شاشات التلفزيون وصورهم في الصحافة وهم يبتسمون ويضحكون ويتظارفون ويرونهم مع عائلاتهم ويسمعونهم يتحدثون عن الله والحب،وعن السلام والقانون،وعن الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعدالة والبيسبول.وسيتساءل معظم الأميركيين:كيف يمكن لمثل هؤلاء القادة أن يكونوا وحوشاً بلا أخلاق، كيف يمكن ألا يكونوا أخلاقيين؟ وسيقولون إن الأسماء التي يحملونها هي جورج وديك ودونالد وليس محمد ،وعبد الله كما أن لغتهم هي الإنكليزية.
يد السارق وأيدي الأطفال فمحمد وعبد الله يبتران يد السارق عقوبة على السرقة. ورغم أننا لا نفعل ذلك في أميركا لأنه مروع في نظرنا، إلا أن أناساً يحملون اسم جورج و ديك ودونالد يقومون بإسقاط القنابل العنقودية على المدن والقرى ومن لا ينفجر من هذه القنابل يتحول إلى ألغام أرضية وبعد ذلك يصطدم بها طفل فيفقد ذراعاً أو ساقاً أو ساقين وفي حالات أخرى عينين فهذه القنابل تخلق إرهابها الخاص. وقادة الولايات المتحدة لا يكترثون بهذه النتائج فطالما يحقق الموت والمعاناة لآخرين أهداف جدول العمل الأميركي، وطالما أن الأميركيين الذين يستحقون جني الأرباح من أفراد وشركات يستفيدون من هذا،وما يحمل لهم من امتيازات، وطالما أن الموت لا يقترب من الأميركيين المقربين لهذه الشركات ومصالحها كلما أبدى قادة أميركا عدم الإكتراث دوماً حتى لو دفع ثمن ذلك "الجنود الأميركيون" عندما كنت أكتب كتاب "دولة الشر" قبل سنوات قليلة استخدمت عبارة "الإمبراطورية الأميركية" التي لم تظهر في الماضي في كتاب سابق على ما يبدو قد فعلت ذلك بحذر شديد لأنني اعتقدت أن الجمهور الأميركي لم يصل إلى مستوى تقبلها.لكنني الآن سأتجنب هذا الحذر لأن هذا الوصف أصبح يستخدم بافتخار من كل من يؤيد مثل هذه الإمبراطورية، ولعل أبرز من يفعل ذلك هو دينيش دسوزا المفكر الأميركي المحافظ في مؤسسة "هوفر" ففي بداية هذه السنة نشر دسوزا مقالاً تحت عنوان:تأييداً لاصطلاح-الإمبراطورية الأميركية، يدعو فيه الأميركيين إلى ضرورة الاعتراف أخيراً بأن الولايات المتحدة أصبحت إمبراطورية وأكبر قوة إمبراطورية في التــاريخ ".
إمبراطورية فريدة
ويقول روبرت كاغان: والحقيقة هي أن الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة باسم النفع العام تحمل أشياء جيدة لقسم واسع من سكان العالم.وهذا ما يشكل تدبيراً دولياً أفضل من أي بدائل أخرى":ويرى تشارلز كراوثمر أن أميركا "إمبراطورية فريدة من نوعها".وهذه الآراء والأفكار تساهم في دفع الجمهور الأميركي إلى التوافق مع السياسة الخارجية الأميركية،لأنهم يستنتجون منها ميلاً أو اعتقادا بأنها سياسة خارجية للنفع العام، وأن أميركا إمبراطورية متنوعة تفرض النظام والازدهار والسلوك الحضاري في جميع أجزاء العالم، وأن أي حرب تخوضها هي حرب إنسانية. ولا شك أن كل ما كرسته من جهد وأعددته من وثائق تفصيلية يثبت تماماً التأثيرات المرعبة والنتائج القاسية التي ولدتها سياسة التدخل الأميركي في كل زاوية من هذا العالم إن هؤلاء المفكرين المحافظين اليمنيين لا يعبرون إلا عن التناقض الصارخ حتى مع أنفسهم ولا يفهمون الأخلاق إلا على طريقة البيتالأبيض والبنتاغون (وزارة الدفاع).وهم ليسو ممن بدأ الموت يدب فيهم بسبب تسرب (اليورانيوم المنضب)إلى رئاتهم،ولا يقوم صندوق النقد الدولي بإفلاس اقتصاد بلدانهم،وليسوا ممن تتشتت عائلاتهم في الصحاري لاجئين والنظام الذي فرضه قادة الولايات المتحدة في أفغانستان سيعملون على فرضه في العالم في المستقبل.فبوش وتشيني ورامسفيلد ورايس وباول يريدون من الجمهور الأميركي الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أصبحت هدفاً للاعتداءات والكراهية بسبب ما لديها من حرية وديموقراطية وثروة واعتدال وعلمائية وخير وقصص خيالية أخرى.
دلائل الكراهية :
وما زال بوش يكرر هذه العبارات منذ 11 أيلول رغم أن دراسة أعدتها وزارة الدفاع الأميركية أكدت منذ عام 1997 أن "الدلائل التي تم جمعها تاريخياً تشير إلى وجود صلة قوية بين التدخل الأميركي في الأوضاع الدولية وبين ازدياد العمليات المسلحة ضد الولايات المتحدة الأسبق اعترف بذلك حين قال:"إننا نرسل المارينـز إلى لبنان وما عليكم سوى الذهاب إلى لبنان وسورية والأردن للتأكد من كراهية الشديدة التي يكنها لنا الناس هناك لأننا قصفنا وقتلنا بلا رحمة فلاحين أبرياء ؟ نساء وأطفالاً ومزارعين وربات بيوت في تلك القرى حول بيوت لذلك أصبحنا نبدو بأعينهم بما يشبه الشيطان "وهذا ما عبرت عنه رسالة المجموعة المسلحة التي نفذت عملية وضع متفجرات في المركز التجاري العالمي عام 1993.ففي تلك الرسالة قالت المجموعة بموجب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" : "إننا نعلن مسؤوليتنا عن هذا الانفجار وقد قمنا بهذه العملية على مسؤولية الولايات المتحدة في تقديم الدعم العسكري والسياسي و الاقتصادي إلى إسرائيل دولة الإرهاب"ولو كنت رئيساً للولايات المتحدة لتمكنت من وقف هذه الأعمال التفجيرية ضد الولايات المتحدة خلال أيام قليلة وذلك من خلال القيام بخطوات بسيطة لكنها مهمة منها أولاً الاعتذار بجدي ة لجميع الأرامل والأيتام من ضحايا التدخلات الأميركية ولجميع من مورس التعذيب ضده ولجميع من أفقرته الولايات المتحدة وللملايين من الضحايا الاعتداءات الأميركية ، أما الخطة الثانية فهي الإعلان رسمياً بأن واشنطن لم تعتبر إسرائيل ولايتها الواحدة والخمسين بل دولة أجنبية.وبعد هاتين الخطوتين سأقوم بتخفيض الميزانية العسكرية بنسبة 90% الإنفاق هذا الوفر من المال الضخم الإصلاح ما ألحقته سياسة واشنطن الخارجية بالعالم من أضرار"
كتاب: رمال الإمبراطورية- السياسة الأمريكية ومخاطر طموحها
Sands of Empire : Missionary Zeal, American Foreign Policy, and the Hazards of Global Ambition Robert W. Merry
اسم الكاتب: روبرت ميري
الناشر: سيمون وشوستر
تاريخ النشر: مايو2005
عدد الصفحات: 320
تقرير : ابتهال عبد العزيز الجمل
عمل روبرت ميرى من قبل مراسلا مع جريدة وول ستريت جورنال، وناشرا لدورية دراسات الكونغرس، وكذلك خدم لفترة طويلة بالجيش الأمريكي. يعرض ميري في هذا الكتاب أفكارا من منطلق عمر وتجربة وتاريخ وانفعالات عاشها الكاتب من خلال تأثره بما يحدث في الساحة السياسية الأمريكية. يقوم ميري بتحليل وتصوير الوقائع التاريخية ليثبت انحراف السياسية الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة كما يعتقد.
فكرة التفوق الأمريكي
عرض الكاتب تصورا جريئا للفكر السياسي الواقعي Realism (الذي يدور حول فكرة القوة والصراع) والذي حل محل الفكر المثالي الأمريكيIdealism (الذي يتصور العالم كمكان سلام من خلال تبني فكرة المدينة المثالية عند الإغريق القدماء). ويتساءل الكاتب عن إمكانية أن يلعب الفكر السياسي الواقعي، وهل يمكن أن يلعب نفس الدور الذي لعبته المثالية في التاريخ الأمريكي؟
يقول الكاتب إن إدارة الرئيس جورج بوش جعلت من أمريكا دولة صليبية Crusaders تحاول أن تضع العالم في أحسن صوره كما تتصور الإدارة الحاكمة، ويري أن ذلك سيشكل خطرا وسيجلب هزيمة لأمريكا على نفسها. ويشرح الكاتب للقارئ كيف أن أمريكا باختلافاتها ممكن أن تجعل العالم يترك ثقافاته من أجل أفكارها المثالية. ففكرة تغيير الأنظمة واستخدام مبدأ القوة ليس له سابقة في التاريخ الأمريكي. يتعرض ميري لما يعارض هذا التوجه الجديد من خلال مفهوم الويلسونية في العلاقات الدولية والذي تبنته الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين على يد رئيسها آنذاك وودرو ويلسون، وهو الأسلوب المثالي القائم على التعاون الدولي الذي انحرف وتحول إلى سياسة خارجية مغامرة وخطيرة.
تظهر كتابات كتاب ومفكرين أمريكيين مرموقين مثل ويليام كريستول، وفرنسيس فوكوياما، وماكس بوت، وبول وولويتز من بين الكثيرين) الأفكار الجديدة التي سيطرت على الفكر الأمريكي المعاصر. كما أن الكاتب تعرض بالتحليل لفكرة صامويل هانتجتون، الذي يري العالم من خلال مفهوم صراع الحضارات الذي يؤدي إلى التصادم العام في الحاضر والمستقبل في مختلف أرجاء العالم.
كما ينتقد الكاتب أفكار توماس فريدمان الكاتب الشهير بصحيفة نيويورك تايمز الذي يدعي أن أمريكا ليست فقط زعيمة عالم الرأسمالية بلا منازع، بل أن عليها أن تنشر الفكر الرأسمالي في العالم كله بالإضافة إلى ذلك عليها أيضا أن تنشر فكر العولمة في العالم.
ويستطرد الكاتب ويذهب إلى تاريخ الأفكار- من الرئيس الأسبق بوش الأب إلى الرئيس السابق كلينتون إلى الرئيس بوش الابن- ويستخلص أن الولايات المتحدة قد أخذت على عاتقها مسئولية القيادة العامة في العالم مما جعلها تخاطر مخاطرة كبيرة بأمنها فضلا عن أنها أفلست في إعطاء أي تفسير أو تعليل مقنع لما تقوم به من تصرفات وأعمال.
والمشكلة التي يراها الكاتب وتتعلق بفكرة الدور الأمريكي العالمي ويوضحها هي أن المشكلة لا ترتبط فقط بفكرة التقدم أو التفوق الأمريكي، أو فشل ونجاح الولايات المتحدة، بل فشل الولايات المتحدة في عجزها عن رؤية العالم على صورته الحقيقية.
عصر يولد من جديد "عصر المحافظين الجدد"
يقول الكاتب أن جورج بوش بدأ فترته الثانية بالتصريح بأنه يريد أن يخلع على أمريكا شكلا جديدا هو الدولة الصليبية التي ستكون غايتها تحسين الظروف العالمية للبشر من خلال نشر الحرية حول العالم. وكانت هذه (هي سياسة الولايات المتحدة) كما يقول جورج بوش في أول خطاباته بعد تولي فترة الحكم الثانية.
ويقول الكاتب أن أهم عناصر سياسات الإدارة الأمريكية الحالية تتركز حول:
• التبشير بالديمقراطية
• التبشير بالحرية
• حرية العالم وأمن الولايات المتحدة الأمريكية متلازمان .
الرئيس الأمريكي كما يرى الكاتب وضع نفسه في شكل المبشر الغيور على مصلحة العالم. تصور بوش بعد 11 سبتمبر ضرورة إدخال ممثلي ثلاث مدارس فكرية إستراتيجية لقيادة السياسة الخارجية الأمريكية وهم:
• الواقعيون - ممثلون في هنري كيسنجر- يؤمنون بالقوة وفكرة الصراع في العلاقات بين الدول
• القوميون الأمريكيون- ممثلون في ديك تشيني ودونالد رامسفيلد- وهم الذين يتبنون ضرورة نشر الديمقراطية حول العالم
• المحافظون الجدد ممثلون في بول وولفويتز ممن يؤمنون بدور أمريكا النبيل في العالم.
وعرض الكاتب للوضع المتأزم في العراق بين السنة والشيعة، ودور أحمد الجلبي منذ البداية ومساعدته في تخطيط الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين، والمشاكل الصعبة التي مازالت تواجه أمريكا هناك. ويتطرق الكاتب إلى نبذة من تاريخ العراق منذ الاحتلال البريطاني من خلال عرضه لأفكار الكاتبة ساندرا ماكاي عن العراق ومجتمعه والخصوصية التي تجمع عدد من الأجناس والأعراق وذوي التوجهات الدينية والقبلية المختلفة معا في حزمة واحدة. وتجزم الكاتبة ماكاي أن على صانعي القرار الأمريكي أن يفهموا أن هذا التغيير الجغرافي والتاريخي والعرقي والشخصي والطائفي والقبلي الذي حدث نتيجة الغزو سيجعل العراق دولة منغمسة قي خضم أزمات سياسية كارثية.
ويري الكاتب أن جوهر الفشل الأمريكي في العراق يعود لعدم فهم السياسيين الأمريكتين لطبيعة هذا البلد وثقافته المميزة.
ويستطرد ميرى في التحليل ويقول أن خطاب الرئيس بوش الهام في شهر يونيو (حزيران) 2002 كان يحمل ثلاث عناصر:
1. أمريكا لها الحق في إشعال الحرب في أي مكان إذا تطلب الأمر ذلك لكي تمنع حدوث اعتداء عليها.
2. ليس لأي قوة أخرى الحق في امتلاك قوة عسكرية مشابهة أو مساوية لقوة الولايات المتحدة.
3. نشر القيم الديمقراطية هو مهمة أمريكا الأساسية في العالم.
ويرى الكاتب أن شكل التهديد الذي تواجهه أمريكا والغرب هو من النوع العسكري. فمنذ عصر النازية في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي، والتقدم الذي أحدثه هتلر في ألمانيا، كان يجب الرد على هذا التقدم العسكري. ومنذ هذه الحقب الزمنية بدأت أمريكا في النظر إلى تحقيق اعلي مستوى في التكنولوجيا العسكرية على مستوى العالم اجمع وبدون منافس حقيقي.
ويسخر الكاتب موضحا أن أمريكا تواجه الآن حملة شرسة من الإرهاب متوجهة نحو المدنيين هنا داخل الولايات المتحدة، وفى الخارج أيضا.
هذا التحدي يمكن أن يواجه إذا ما تبنت الإدارة الأمريكية الإجراءات التالية:
- فهم العدو
- إقامة علاقات دبلوماسية جيدة مع العالم الإسلامي
- علاقات جيدة مع روسيا والصين
- اتحاد الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا)
- الحرب في الوطن (تأمين الولايات المتحدة داخليا)
ويتطرق ميري في نهاية هذا الجزء إلى الحرب الأمريكية على الإسلام المتعصب. ويرى أن المطلوب هنا اعتناق فهم موضوعي، وتحديد الطموحات الموضوعية، والتركيز على ضرورة فهم ثقافات العالم. ويقر الكاتب بأن أمريكا والغرب هم في حالة حرب مع الإسلام. وهذه الحرب ستطول لعقود من الزمن، وأن العدو ليس قومية ولكن ثقافة، وهذا يتطلب من الولايات المتحدة دبلوماسية عالية، وأمنا داخليا جيدا، وأجهزة استخباراتية ممتازة.
هل يهدد الإسلام أمريكا؟
يشرح ميرى ويتطرق إلى المفكرين والكتاب والمحللين الغربيين من بعد أحداث 11 سبتمبر ويكتب وجهة نظر كل واحد منهم مثل توماس فريدمان وصامويل هانتجتون، وغيرهم.
ويعود بنا الكاتب إلى سنة 1917 ويتحدث عن الانتماء أو الإحساس بالانتماء، وأجمل الانتماءات هو الانتماء إلى الوطن وإلى الأرض. ويشرح الكاتب شعور الرئيس الأمريكي الأسبق تيودور روزفلت بانتمائه تجاه وطنه. هذا الرجل الذي كان يشعر انه عندما يضحي فإنه يضحى من أجل شيء أعظم من نفسه وعائلته وهذا الشيء هو العظيمة( الولايات المتحدة الأمريكية). كان الرئيس روزفلت تنعشه فكرة الإمبراطورية الأمريكية التي استوحى فكرتها من بريطانيا العظمى.
تفكير روزفلت كان في أن على أمريكا أن تطبق هيمنتها على العالم من أجل مصلحة الإنسان ولكن بأسلوب يجعلها تحافظ على نقائها. وهذا يتأتى بأن تكون منعزلة عن العالم الذي يستحوذ عليه الشيطان والصراعات كما يقول الكاتب.
وهذا الفكر ممكن من خلال نظرية المحافظين التي ترى ضرورة تحقيق عدة أهداف محددة من أجل الاستقرار، بمعنى قبول العالم كما هو.
ويتساءل الكاتب هل يمكن لنظرية المحافظين أن تلعب الدور المطلوب في وقت يشعر فيه الغرب انه مسجون في فكر صراع الحضارات؟ هذا الصراع مع فئة أساسية ورئيسية في العالم ألا وهي العالم الإسلامي,
في النهاية يرى الكاتب أن ما حدث من اعتداء في 11 سبتمبر (أيلول) على الأراضي الأمريكية كان سببا في إشعال الحرب على العدو. ولكن من هو العدو ؟ يتساءل ميري؟ هل العدو هو الإسلام؟ جورج بوش ينفي هذه الفكرة كما يقول الكاتب ويقول بوش إنها حرب على الشياطين. أولئك مجموعات من الشياطين خرجوا عن ثقافاتهم الأمريكية للاعتداء على الأمريكيين.
ويشرح ميري ويقول إن الغرب لا يمكن أن ينتصر إلا إذا فهم عدوه، عالم الإسلام. ولكنه لن يستطيع أن يفهمه بدون أن يفهم ثقافاته وعلاقة هذه الثقافة مع معطيات الحاضر من نبض وغضب وإغراض وأسباب ودوافع.
لذلك يختتم ميري كتابه موجها دعوة لأمريكا والغرب معا إلى الاتحاد والترويج للقيم والأفكار والمثاليات الغربية والتبشير بها. وبداية ذلك تتطلب اقتراب الولايات المتحدة مرة أخري من الثقافة الغربية ومثالياتها الإنسانية لا في الابتعاد عنها.