علاقة السياسة الأمريكية بالسيكولوجيا علاقة عضوية حميمة إذ أن المؤسس الفعلي للبراغماتية الفيلسوف وليام جايمس دلف إلى السياسة عبر أول كتبه المعنون “مبادئ السيكولوجيا” وفيه الدعوة لضرورة انحسار طموحات الفلسفة من الكون إلى الإنسان. بما يبرر مكانة السيكولوجيا في السياسة الأمريكية وانتقالها من الصعيد الشخصي إلى دراسة الشخصيات الأممية والجمعية ووضعها في أنماط وقوالب سلوكية والتعامل معها على هذا الأساس. وهو ما يطبقه الأمريكيون في دراساتهم على جمهورهم وعلى رؤسائهم.
ولعل أهم الإشكاليات المثارة حول الموضوع هي تلك التي أثارها عالم النفس، في جامعة كاليفورنيا، كيث سيمونتون مؤلف كتاب “لماذا ينجح الرؤساء”، وفيه يرى إن الكثير من القضايا الأخلاقية المثارة لا تملك الأهمية في موضوع اختيار الرئيس وانتخابه. وبمعنى آخر فإن أداء الرئيس في غرفة النوم لا علاقة له بأخلاقه. ويذكر سيمنتون أن لغالبية الرؤساء الأمريكيين مغامراتهم العاطفية خارج فراش الزوجية، دون أي فارق بين الناجحين وبين غير الفاعلين منهم.
أما عالم الشخصيات روبرت هوغان، فيعارض ذلك إذ يقول إن الشخصية هي مجموعة متكاملة من السمات مثل الذكاء والمرونة ودرجة الحياء والكبت عند الشخص… الخ وهذه السمات هي التي تحدد سلوك الشخص سواء كان رئيس عمال في ورشة، أو كان في البيت الأبيض رئيسا”.
ويدعم هذا الرأي عالم السياسة “جيمس دافيد باربر”. مؤلف كتاب: “الأخلاق الرئاسية – التنبؤ بمستوى الأداء في البيت الأبيض”، إذ يقول: أن من يدرس أحوال الرئاسة في القرن العشرين، سيصل للاستنتاج القائل، بأن لأخلاق الرئيس أهمية وتأثير أكيد في مجريات الأمور. بل أن أخلاق المرشح أصدق إنباء عن شخصيته وأدائه من كل الوعود والاقتراحات الانتخابية التي يطرحها أثناء حملته. ويعطي باربر مثالاً على ذلك “ليندون جونسون”، فيقول بأن قصة جونسون مع حرب فيتنام هي أكثر الأمثلة إثارة للرعب في العصر الحديث. فقد كان يدعي بأنه مرن ومحب للسلام، ولكنه لم يلبث أن تحوّل إلى التصلّب في سياسته العسكرية الفاشلة، وذلك بسبب سلوكه القهري المتصلّب. ويتابع باربر بأن دوايت د.ايزنهاور يمثّل نموذجا” للشخصية السلبية (ينسحب من المواجهة لأسباب أخلاقية تاركاً حل المشاكل للآخرين) ومن هنا فشله في محاربة المكارثية، والمشكلات التي انبثقت في أيامه كانحلال الحياة في المدن ومظاهر الشغب العرقي. وهنا علينا أن نلاحظ تكرار هذه الملامح في عهد ووكر بوش منذ الأشهر الأولى لولايته. حيث الشغب العرقي المندلع في سينسيناتي في 1/4/2001 وحيث التورط في افغانستان وصعوبة الانسحاب منها. إضافة للرغبة القهرية – الوسواسية لدى بوش في احتلال العراق.
هذا ويطرح باربر تصنيف الرؤساء الأمريكيين، وفق خطين قاعديين: 1- خط الفاعل و2- خط المنفعل (أي القدر من الطاقة الشخصية الذي يبذله المرء في عمله في مقابل العاطفة الايجابية- السلبية أو موقفه من نتائج عمله ومدى تقبله لهذه النتائج). وعلى هذا الأساس يحدد باربر أنماطاً أربعة لشخصية الرئيس الأمريكي.
النمط السلوكي السياسي لأوباما
بمراجعة تصنيف باربر نجد أن الرئيس باراك أوباما ينتمي إلى ما يسميه باربر بالنمط المنفعل الايجابي. وعلائمه بحسب باربر هي التالية:
يمتاز هذا النمط بأنه مساير ومتعاون أكثر منه صاحب شخصية وحيوية قوية. مع مسحة تفاؤل مهيمنة على سلوكه. وهذا النمط يفاوض بشكل جيد، ولكنه يحيط نفسه بأصدقائه القدامى الذين يجلبون له العار.
ومن أمثلة هذا النمط هوارد تافت وريغان، “الذي يقول عنه سيمونتون: “ها نحن نجد ريغان يوقع صفقة أسلحة مهمة وفي الوقت نفسه تنفجر حوله الفضائح في كل مكان”. كما ينتمي إلى هذا النمط الرئيس كلينتون الذي كان يحقق انجازات اقتصادية تاريخية في أجواء فضيحة مونيكا.
هذه هي العلائم العامة لشخصية الرئيس الأمريكي الجديد. وبمراجعة منهجية تركيب طاقم أوباما نجد انه سرب فعلاً بعض مساعديه في إدارة حملته الانتخابية وبعض أصدقاء العائلة إلى الفريق. وهم سيشكلون الأصدقاء القدامى المحيطين بالرئيس ونقطة ضعفه الشخصية. كما ان الانتخابات دفعت أوباما للتخلي عن بعض صداقاته القديمة وبخاصة منها الصداقات مع عرب ومسلمين.
اما عن التركيبة العامة للفريق فقد اعتمدت على مبادئ دراسة السلوك والسوابق. حيث وضعت الكفاءات التي تجد صعوبة في عمل الفريق في مناصب استشارية. وحيث تم الاحتفاظ ببعض أعضاء فريق بوش القادرين على التكيف مع منطلقات الإدارة الجديدة. فإذا ما نظرنا إلى تعقيد الملفات المطروحة على الإدارة وصفتها الطارئة أمكننا استبعاد تأثير الأشخاص والعوامل الشخصية في إدارة أوباما. حيث الظروف الطارئة تفرض برمجة الطاقم وفق حسابات بعيدة عن العامل الفردي. وهذه البرمجة سوف تؤثر على مستوى الانسجام داخل الفريق بما يبرر توقع إقالات واستقالات وتجميدات وتغييرات سريعة في الطاقم وكذلك في السلوك المعهود لبعض أفراده. ومن هنا ضرورة استبعاد كل التوقعات التي تقوم على أساس معرفة السلوك السابق لأعضاء الإدارة.
وهذه العلائم بدأت مبكرة في إدارة أوباما حيث اضطر ومنذ البداية للتراجع عن بعض التعيينات بما فيها تعيين مسؤول المخابرات الأمريكية وهو منصب لا يحتمل التردد ويشكل نقطة ضعف حقيقية في الإدارة ويشكك بقدرتها على اتخاذ القرارات مهما كانت مبررات وتأويلات هذا التردد.
لكن التراجع عن التعيينات قبل حصولها أقل وطأة من الإقالات بعد التعيين والتي نؤكد من منطلق سيكولوجية الإدارة الأوبامية انها سوف تحدث عند أول مواجهة جدية يتعرض لها فريق أوباما غير المنسجم.
الكياسة وحسن التخلص ومهارة التفاوض التي يتسم بها المنفعل الايجابي مثل أوباما أجلت مواجهاته لغاية اليوم. فلو عدنا إلى قمة العشرين لوجدنا ألمانيا معارضة شرسة لخطة أوباما للتحفيز الاقتصادي وتلتها أوروبا في هذه المعارضة. وهو ما تجاوزه أوباما كي لا يبدأ ولايته بالإحباط أو بالمواجهة. ثم جاءت قمة الأطلسي التي تجاهلت تعديل إستراتيجية الحلف،مع عدم صلاحية إستراتيجيته الحالية للتطبيق العملي، للبحث في حرب أفغانستان وهنا أيضاً تلكأ الحلفاء الأوروبيين عن المساعدة مكتفين بقوة رمزية غير مقاتلة من خمسة آلاف عنصر. ومرة أخرى غستكان أوباما ولنفس الأسباب. فماذا لو تفجرت هذه الملفات بعد فترة؟. وكيف سيواجهها أوباما بفريقه غير المتجانس؟.
في رأينا الشخصي انه يمكن استقراء سلوك أوباما في هذه الحالات عبر قراءة شخصيته السيكولوجية فهو قرر زيارة تركيا بعد فشل قممه الأوروبية. وفيها صفقة التفاف على إمدادات الغاز الروسي لأوروبا لتحويله إلى الأنابيب التركية. وهي صفقة تحتوي روسيا وأوروبا في آن معاً.
ولو نحن اتخذنا من هذا السلوك مؤشراً على أسلوب أوباما في مواجهة الأزمات لوجدنا انه “الشخصية الصفقة”. فهو عندما يحبط في مجال ما يتحول إلى صفقة في مكان آخر. ويتدعم هذا الرأي بملاحظة القفزات المتتالية لأوباما من الملف الاقتصادي إلى الإيراني ومنهما إلى الروسي فالأوروبي وقس عليه.
الخطير في سلوك أوباما هو أولاً التباين الشاسع بينه وبين سلوك بوش شبيه العقائدي والمتمسك بالاستراتيجيا مقابل سلوك اوبامي لا يبدو هاو للإستراتيجيا ومتحول نحو تكتيك كل حالة على حدة Case by Case بما يعني استعداده لعقد صفقات فرعية بديلة للصفقات الأساسية. وهي نقطة ضعف يكسب كثيرون ان هم أحسنوا استغلالها. فهل يدرك العرب هذا الضعف الاوبامي ليمرروا صفقاتهم في فرصة لم تكن متاحة أيام ووكر بوش؟. وهل هم سيتوجهون نحو الصفقات ذات البعد الاستراتيجي لبلادهم والمنطقة أم يقفون عند حدود صفقات تسمح لهم بالبقاء على كراسي الحكم؟.
في الحالة الأخيرة لا بد من التحذير من أفخاخ الإقالات والاستقالات المتوقعة في إدارة اوباما. حيث لا تنفع الصفقات المعقودة مع فريق الإدارة كما كان يحدث في الصفقات المنعقدة مع ديك تشيني أو مع رامسفيلد أو مع رايس أو حتى مع فيلتمان السفير المعجزة.
تحديات أوباما الشرق أوسطية
يشير تطبيق المعطيات المشار لها أعلاه الى ان مقاربة أوباما للتحديات الشرق أوسطية ستكون مغايرة تماماً لمقاربات بوش. ففي موضوع السلام الشرق أوسطي يضم فريق اوباما طائفة من فريق كلينتون الشاهد على مماطلة نتنياهو لجهود كلينتون في سلام المنطقة. ومن هنا ملامح الخلافات الأمريكية الإسرائيلية المستندة لاستعداد اوباما لممارسة الضغوط على إسرائيل لتجنب الوقوع في التسويف الإسرائيلي الذي قضى على جهود كلينتون قبله.
على صعيد متصل يمكن تحليل اختيار اوباما للقاهرة كمنبر لمخاطبة العالم الإسلامي على انه صفقة غير مكتملة. تتجاوز فيها واشنطن ديكتاتورية النظام ومحاولات توريثه إلى خطوة مطمئنة للعرب المعتدلين مع جرعة دعم سياسي لدور مصر الإقليمي المتراجع. في مقابل استقبال نتنياهو في مصر والتفاهم معه على حدود دنيا قبيل سفره إلى واشنطن. اما عن المآل الأبعد للصفقة فيتمثل بما صرح به ملك الأردن لصحيفة التايمز حول اعتراف 57 دولة مسلمة بإسرائيل لقاء سلام دونه حرب إسرائيلية جديدة. وفي حال نجاح الصفقة فان إيران تصبح النعجة الضالة في العالم الإسلامي بحيث يسهل تطويعها أمريكياً وإسرائيلياً. فتطبيع علاقات العالم الإسلامي مع إسرائيل يعطيها فرص التوسط لإيران لدى المسلمين!؟.
التحـديات تـواجه أوباما
كشفت استطلاعات الرأي بعد مضي ستة أشهر على تولي اوباما لمنصب الرئاسة في بلاده عن تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها, إذ وصلت مستوى أدنى من المستوى الذي بلغته شعبية سلفه جورج بوش عندما كان في مثل هذه المرحلة من رئاسته. حيث اظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب بالتعاون مع صحيفة يو أس أي توداي أن مستوى رضا الأميركيين عن أوباما تراجع بتسع نقاط منذ يناير/كانون الثاني 2009 ليصل الى 55% فقط وسط ارتفاع البطالة في أميركا وتراجع الثقة في خططه الاقتصادية.
كما أظهرت استطلاعات أخرى للرأي أجرتها أي بي سي نيوز وواشنطن بوست أن شعبية أوباما تراجعت إلى أقل من 60% لأول مرة منذ تسلمه زمام الأمور وهو أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية.
ورغم أن أوباما ورث مصاعب اقتصادية هائلة عن سلفه بوش, فإنه يتعرض أيضاً للتحديات التي تواجه كل رئيس اميركي في الفترو الاولى من ولايته. هذه التحديات التي يصنفها عالم السياسة “بروس بوكانان” من جامعة تكساس، ويخلص للتأكيد أن الرؤساء الأميركيين يواجهون أربعة تحديات أساسية تعترض مدة إقامتهم في البيت الأبيض هي:
المجد المفرط : هو التحدي الأول حيث يكثر المادحون والمتزلفون، بحيث تتحول معارضته إلى مفاجأة يستجيب لها البعض بالغضب ( يزداد الغضب مع ازدياد القناعة بأقوال المادحين).
إجهاد القرارت : ان التحدي الثاني، الذي يواجه الرئيس، هو العراقيل والحواجز المؤدية للإحباطات وكيفية تعامل الرئيس معها. فهل هو يعرف متى يحارب ومتى ينسحب؟ وهل هو قادر على تحمّل الفشل وهضمه؟.
التوفيق بين أجنحة ادارته: وهو التحدي الثالث في مواجهة الرئيس. وهو أسلوب الإدارة التي غالبا” ما تواجه الرئيس بمطالب متناقضة، حيث يجب أن يملك الرئيس القدرة على التوفيق بين هذه القدرة المتناقضات. هذا التوفيق الذي فشل فيه جيمي كارتر لتدخّله الزائد لدرجة التورط. كما فشل فيه ريغان بسبب تراجعه وعدم تدخله بالمستوى المطلوب.
الإغراءات الضخمة : وهي التحدي الرابع للرئيس. ويعطي بوكانان على هذا التحدي مثال جونسون الذي رغب في تحقيق برامجه الإجتماعية (مشروع المجتمع الكبير) وبأن ينتصر في فييتنام في آن معا”. لكن الكونغرس لم يكن مستعدا” لتمويل الاثنين معا”. كما أن ريغان كان مستميتا” لتحرير الرهائن الأميركيين ولم يكن مستعدا” لاجراء أية مقايضة مع الزعماء الإيرانيين. وفي كلتا الحالتين فإن فشل الرئيسين في تحقيق إغراء الحصول على هدفين في آن واحد قد دفعهما إلى الكذب.
هذا ولا يهمل بوكانان، الاشارة إلى جملة عوامل تؤثر في أسلوب مواجهة الرئيس لهذه التحديات، فيذكر العوامل التالية:
1 – مجموعات المصالح.
2 – الحزب المسيطر على الكونغرس والمحكمة العليا.
3- الدعم الشعبي .
4 – أجواء التوقع (تذكيها الصحافة)…الخ.
في حالة الرئيس باراك أوباما يلاحظ أن هذه العوامل إتخذت طابع الحدة بسبب قائمة الأزمات الاميركية. بحيث أصبحت موازية للعوامل الرئيسية في أهميتها وفي تأثيرها على قرارات الرئيس.
فاذا ما استعرضنا بعجالة هذه العوامل نجد أن اوباما لا يزال يوظف مجده “الأكثر إفراطاً ” لتحسين صورة اميركا التي شوهها بوش كل التشويه. وهو ينجح لغاية الآن في كسب قلوب الشعوب التي يزورها او يخاطبها. رغم انه لم يقدم لغاية الآن اية معطيات ملموسة لعلاج آثار بوش الكارثية.
كما يبدو اوباما في كامل لياقته لتحمل الاحباطات ولاتخاذ القرارات بل ولتعديل ما يجب تعديله منها وخاصة في الملف الاقتصادي. حيث برر عدم نجاح خطته التحفيزية بالكامل بعرضه لحقيقة ان الاقتصاد كان على وشك الانهيار لولا تقديم الدعم الحكومي للمصارف الاميركية. لينطلق منها لقرار جديد بفتح معركة مع بيوت التصنيفات الإئتمانية وهي معركة قاسية.
اما عن التوفيق بين اجنحة ادارته فان الخلل يبدأ من هنا حيث بدا التعثر واضحاً في مناسبات مختلفة بين اجنحة الادارة. ومنها اعلان نائبه بايدن عن حرية اسرائيل في اتخاذ قرار الحرب على ايران. وما تلاها من تصريحات مضادة تعكس انعدام التنسيق داخل الادارة. اضافة لتلميحات كلينتون في تايلاند بوجود خلافات طفيفة بينها وبين اوباما.
وبالنسبة للإغراءات فيمكن القول بان اوباما يتعرض لاكبر الاغراءات التي تعرض لها رئيس اميركي قبله. فهو مرشح لانقاذ اميركا اقتصادياً وسياسياً وهو اغراء بحجم التأثير الاميركي. ليبقى السؤال هل ينجح أوباما في تحقيق ما هو ملقى على عاتقه من ملفات؟!.
عند هذا السؤال نتوقف تحديداً لنقول بان تراجع شعبية اوباما في الاحصاءات المذكورة اعلاه تعود تحديداً الى هذا السؤال. اذ يحمل الاعلام الاميركي انباء فشل خطط اوباما الاقتصادية. ومعها فشل الحملة على سوات الباكستانية وعملية الخنجر الافغانية.
اما على الصعيد السياسي فقد دخلت الادارة في تجاذبات مع اسرائيل بشأن مبادرة اوباما السلمية المنتظرة ومعها عتب كبير من اصدقاء اميركا العرب من المراهنين على السلام الاميركي. اما في الملف الروسي فقد اعلنت كلينتون ان مشقات وصعاب تنتظرها في زيارتها لموسكو الخريف القادم. وسط مواقف روسية ثابتة وراسخة لغاية جهوزية المواجهة سواء في جورجيا او غيرها.
كما يواجه الرئيس انتقادات بشأن الكيفية التي سيؤمن بها الموارد المالية الضرورية لخطته الرامية إلى إصلاح نظام الرعاية الصحية والتي تبلغ تريليون دولار, فقد عبر نصف من استطلعت آراؤهم في أحد هذه الاستطلاعات عن أنهم يعارضون هذه الخطة.
ومن المعتقد أن غالبية من تخلوا عن تأييدهم لأوباما هم من المصوتين المستقلين أو أعضاء الحزب الديمقراطي المعتدلين, وفي ولايتين يواجه فيهما عضوان من مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي انتخابات العام 2010, دب القلق بالفعل في نفوس الديمقراطيين.
فــريق اوبـامـا الرئاســي
لم يحظى باراك اوباما بالحرية التي تمتع بها سابقيه من الرؤساء الاميركيين في اختيار فريقهم الرئاسي. إذ إعتمدت التركيبة العامة لفريق أوباما على مباديء دراسة السلوك والسوابق. حيث وضعت الكفاءات التي تجد صعوبة في عمل الفريق في مناصب استشارية. وحيث تم الاحتفاظ ببعض أعضاء فريق بوش القادرين على التكيف مع منطلقات الادارة الجديدة. فإذا ما نظرنا الى تعقيد الملفات المطروحة على الادارة وصفتها الطارئة أمكننا استبعاد تأثير الاشخاص والعوامل الشخصية في ادارة أوباما. حيث الظروف الطارئة تفرض برمجة الطاقم وفق حسابات بعيدة عن العامل الفردي. وهذه البرمجة أعاقت ميول اوباما لإحاطة نفسه بالاصدقاء جالبي العار كما أثرت لاحقاً على مستوى الإنسجام داخل الفريق بما برر توقع إقالات وإستقالات وتجميدات وتغييرات سريعة في الطاقم وكذلك في السلوك المعهود لبعض أفراده. ومن هنا ضرورة استبعاد كل التوقعات التي تقوم على اساس المعرفة المسبقة لسلوك أعضاء الادارة.
ومع تراجع التأييد الداخلي لاوباما بالتزامن مع نهاية فترة السماح المعطاة للرئيس الجديد في ربيع العام 2009 توقع المتابعون تراجع نفوذ أوباما بصعود تأثير نائبه جو بايدن ووزيرة خارجيته كلينتون. حيث أبدى الاثنان مواقف عنصرية ضمنية من أوباما في مناسبات عديدة. وعليه توقع المتابعون تحول القرار الاميركي الى ثلاثي الرؤوس مع تراجع قدرة اوباما على التصرف في افغانستان. وهو ما حدث فعلاً ولكن ليس بضغط الثلاثية بقدر ما كان بضغط القادة العسكريين الذين باتوا مشاركين في القرار بسبب التورط العسكري الامريكي الموروث عن حروب بوش. الذي طبق مبدأ قيادة الساسة لمقاليد الامور في زمن الحرب واقتصار دور العسكريين على تنفيذ أوامر الساسة. وذلك انطلاقاً من رؤى كتاب كان شديد التأثير في سلوك بوش خلال الحرب وهو كتاب “القيادة العليا – الجيش ورجال الدولة و الزعامة في زمن الحرب” لمؤلفه أليوت كوهين. لكن زمام هذه القيادة أفلت من ايدي بوش ومساعديه منذ الاعلان غير المسؤول لوزير دفاعه رامسفيلد حول بدايات المقاومة العراقية. التي اعتبرها رامسفيلد ردة فعل عادية لفلول صدام حسين معتبراً انها ستؤول للانطفاء بصورة تلقائية. ثم جاءت محطة تكليف اسرائيل الفاشلة بتغيير المشهدين اللبناني والسوري عبر حرب تموز 2006 التي تعكس رؤية سياسية متعمقة الا انها مفتقدة للخبرة العسكرية كما للبدائل في حال تقصيرها. وهو ما اضطر الولايات المتحدة للتدخل المباشر الذي اضاف الى الأخطاء الامريكية العسكرية في المنطقة خطأً اضافياً يمس سمعة الجيش الامريكي وهيبة القوة الامريكية في الصميم.
هكذا ومع تعاقب أخطاء القيادة السياسية بدأ القادة العسكريون يتولون القرار حتى اذا ما تسلم اوباما الرئاسة كانت الولايات المتحدة قد تحولت الى حكم الضباط العسكريين الكبار.
هذه السيطرة التي تبدت منذ الاسابيع الاولى لدخول اوباما الى البيت الابيض حيث اجبره العسكريون على تمديد مهلة الانسحاب من العراق التي وعد بها خلال الحملة الرئاسية. وهي سجلت اولى تراجعات اوباما عن برنامجه الانتخابي فاتحة السبيل امام تراجعات اخرى على مختلف الاصعدة حولت اوباما الى شخصية مختلفة عن تلك التي اختارها الناخبون خائبي الامل بهذا الرئيس.
أعضاء من الدائرة الضيقة لأوباما سيغادرون البيت الأبيض بينهم إيمانويل
5 مستشارين مقربين يستطيعون الدخول إلى المكتب البيضاوي من دون إشعار مسبق وحضور أي اجتماع رام إيمانويل (أ.ب)واشنطن: آن كورنبلات وسكوت ويلسون*
خلال عاميه اللذين قضاهما في البيت الأبيض، اعتمد الرئيس باراك أوباما على دائرة ضيقة من المستشارين الذين اعتبرهم المجلس الأكثر ثقة لديه بشأن السياسات والسياسة.
أوباما يصفه أعضاء فريقه بالقلق حيال الغرباء والتردد في توسيع دائرته الداخلية الضيقة، كما وصفه أحد مستشاريه صراحة بالقول: «إنه لا يحب الناس الجدد». وسواء أحبهم أم لا، فسوف يحاط بهم، حيث يتوقع إجراء تغيير جديد في الفريق المعاون له ليحرم أوباما من اثنين من مساعديه وسيحدث فيض من التغيرات في الجناح الغربي. حيث يتوقع أن تتعرض الدائرة الضيقة للرئيس، كبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل وكبيري مستشاريه ديفيد أكسلرود، وفاليري غاريت، والسكرتير الصحافي روبرت غيبس، ونائب الرئيس جو بايدن، إلى التفكك. ويتوقع على نطاق واسع أن يترشح رام إيمانويل لمنصب عمدة شيكاغو بينما أكسلرود سيغادر في الربيع للإعداد لحملة أوباما الرئاسية لانتخابات عام 2012.
وسيخسر أوباما أيضا، عددا من كبار مستشاريه، حيث أعلن كبير المستشارين الاقتصاديين لورانس سومرز، عن عودته إلى جامعة هارفارد، حيث يعمل أستاذا، وكذلك نائب كبير موظفي البيت الأبيض جيم ميسينا، الذي يتوقع أن يلحق بأكسلرود في شيكاغو، مستشار الأمن القومي غيمس جونز، الذي قيل إنه يرغب في الاستقالة نهاية العام الحالي.
وكان بعض المساعدين والحلفاء السابقين للرئيس قد عبروا عن أملهم في أن يستفيد أوباما من رحيل هؤلاء المستشارين، الأمر الذي يعد أمرا شائعا خلال العامين الأولين في أي فترة رئاسية والاستعانة بمساعدين جدد يتمكنون من تغيير فريق الرئيس الحالي.
ويقول واضع استراتيجيات ديمقراطي، عمل لفترة طويلة مع البيت الأبيض في عدد من القضايا: «لقد كانوا مخطئين في سياستهم بشأن الوظائف والإنفاق والعجز في الموازنة والدين. فلم يتمكنوا من تحقيق تقدم في أي منها، ولعل السبب في ذلك هو انعزاليتهم. وإلا كيف تفسر كيف فقدت هذه الجماعة الشعبية الجارفة التي تمتعت بها في البداية؟» وطلب الاستراتيجي عدم ذكر اسمه حتى يتمكن من الحديث بحرية حول الرئيس والفريق المعاون له.
هذه نظرة معتادة بين خبراء السياسة الديمقراطيين، الذين يشاركون نفس أهداف البيت الأبيض، لكن إحباطهم تضاعف نتيجة لهذا الفريق الذي يتعذر الوصول إليهم ويقفون عقبة في طريقهم. لكن يبدو أن الرئيس أوباما لا ينوي البحث خارج أسوار البيت الأبيض عن مستشارين جدد. ففي لعبة تخمين واشنطن الشائعة وغير الجديرة بالثقة في أغلب الأحيان، غالبا ما تكون الأسماء المذكورة مألوفة بالفعل للرئيس. حيث يتوقع أن يتولى توم دونيلون، نائب مستشار الأمن القومي، أيا من منصبي رام إيمانويل أو جونز. وقد تقارب أوباما ودونيلون خلال حملته الرئاسية عام 2008 عندما تولى مسؤولية إعداد المرشح للمناقشات. ويتوقع أن تكون بيتي روز، إحدى المرشحات لخلافة إيمانويل، وتعمل روز كبيرة لموظفي أوباما في مجلس الشيوخ، ويأتي بين المرشحين الآخرين بوب بايور، مستشار البيت الأبيض الذي كان محامي الرئيس الشخصي قبل الانضمام إلى الإدارة العام الماضي. وأيضا قيل سكيليرو، الذي يدير مكتب ارتباط أوباما مع الكونغرس، وزعيم الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ السيناتور توم داستشيل الحليف المقرب من أوباما.
وتعكس التعيينات الوشيكة في البيت الأبيض رغبة الرئيس في إحاطة نفسه بأشخاص يعرفهم جيدا. فإليزابيث وارين، التي عينت مؤخرا كمستشارة الحكومة الأولى في حماية المستهلك، وصفها أوباما بأنها «صديقة عزيزة»، وكذلك أوستن غولسبي، الذي تولى رئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس، والذي كان ضمن الحلقة الخاصة بالرئيس أكثر من سلفه كريستينا رومر.
ويرفض مسؤولو البيت الأبيض الانطباع بأنهم منعزلون خارج البيت الأبيض. وقالوا إنهم يقدمون للرئيس مجموعة متنوعة من الآراء من الأشخاص ومن داخل الإدارة ومن خارجها وأوضحوا أن الدائرة الداخلية للرئيس لا تقف عقبة في طريق تلك الآراء على الدوام، فإيمانويل وبايدن على سبيل المثال، كانا في الجانب الخاسر من المناقشات بشأن كيفية التعامل مع إصلاح الرعاية الصحية (رفض إيمانويل تبني الخطة في بداية الفترة الرئاسية الأولى لأوباما)، والحرب في أفغانستان (كلاهما كان ضد إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان).
وقال غيبس: «أعتقد أن هذه الدائرة التي يتحدث إليها الرئيس بصورة يومية جدية». لكن في لحظات التفكير يميل الرئيس في بداية ونهاية اليوم إلى الحديث إلى مستشاريه الخمسة للتشاور بشأن الأفكار ومراجعة البيانات. وعندما كان الرئيس يحاول اتخاذ القرار بشأن إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال، بعد المقال المثير للحرج الذي نشر في مجلة «رولنغ ستون»، أجرى الكثير من المكالمات الهاتفية مع مسؤولين خارج الإدارة. وعندما استقر على رأيه، كانت الدائرة الصغيرة، في هذه الحالة كانت غيبس وإيمانويل وأكسلرود وبايدن وكبير موظفي ورئيس أركان مجلس الأمن القومي دينيس ماكدونوغ، أول من يعلم بالقرار. وعلم جنرالات البنتاغون الخبر في اليوم التالي.
وقال واضع الاستراتيجيات الديمقراطي بيتر فين، الذي أدار والده دان فين مكتبة كنيدي بعد العمل في إدارة كنيدي: «هذه هي الطريقة التي عمل بها كنيدي، فقد كان لديه دائرته الضيقة الخاصة التي ضمت كين أودونيل ولاري أو براين وتيد سورنسين ورالف دونغان ولي وايت، التي عملت معه لفترة طويلة عن قرب والتي وثق في أحكامها وآرائها.
ويمكن للمستشارين الخمسة المقربين من الرئيس أوباما، وحدهم من بين مسؤولي الإدارة، الدخول إلى المكتب البيضاوي من دون إشعار مسبق وحضور أي اجتماع والسماح لأنفسهم بقضاء المزيد من الوقت مع الرئيس والقدرة الكبيرة على حمله على تغيير رأيه. وأحيانا ما يقوم بأدوار متعددة وغير محددة، مع تخطي حدود وظائفهم وتجاوزها إلى مناطق سلطة خبير آخر.
وعلى الرغم من وقوع بعض التوترات بين أفراد المجموعة، فإنهم عملوا سويا بصورة أو بأخرى قبل سنوات، فقد عملت جاربت وأكسلرود وغيبس مع أوباما قبل حملته الرئاسية بوقت طويل. فيما يعرفه إيمانويل منذ أن كان في شيكاغو وبايدن منذ أن كان في مجلس الشيوخ.
أحد الطقوس الرئاسية توضح علاقته الخاصة بمساعدة، ففي كل مساء وقبل توجه أوباما إلى الطابق العلوي حيث يقيم، يسلمه أحد مساعديه ملفا مليئا بالتقارير والمذكرات والإحصاءات حول سير العمل في جميع أنحاء الإدارة. في اليوم التالي يسلم أوباما الملف وقد كتبت على حواشيه مطالب الرئيس بالمزيد من المعلومات أو الاجتماعات إلى التصرف في محتوياته. إلى جانب الرئيس يحصل كل من بايدن وأكسلرود وغيبس وجاريت وإيمانويل نسخا من الملف التي يتلقاها الرئيس والتي يسلمها.